نظرة الى((حب)) الماء ثلاجة الاجداد ورائحة التراث

نظرة الى((حب)) الماء ثلاجة الاجداد ورائحة التراث

صبحي صبري




لم يكن أي بيت موصلي يخلو من ( حب ) الماء وهو معلم تراثي فلكلوري قديم تتم صناعته من الفخار على ايدي حرفيين يطلق عليهم اسم الكوازين ، لهم محلات واماكن خاصة ولكل منهم شهرته وخبرته العريقة في صناعة حباب الماء والحباب الصغيرة التي توضع تحتها لالتقاط الماء الذي ينقط او يرشح من اسفل الحب الكبير وهو ما يسمى الناقوط والناقوط ماء بارد صاف وعذب يعد من اكثر المياه صلاحية للشرب لصفائه وعذوبة طعمه وخلوه من الاملاح فهو ماء يرشح عبر مسامات الطين المخفور المجفف ..




والحب كان بمثابة ثلاجة ماء للبيت في الصيف يوضع على محمل حديدي او خشبي خاص ينزل فيه الى منتصفه ليتوازن ويقف في الهواء ثم يوضع فيه الماء ليقوم الهواء ومسامات الحب بتبريد الماء واعطائه طعماً ومذاقاً خاصين هما الاقرب الى العذوبة .

كانت ربات البيوت يعمدن الى تغطية سطح الحب بالشاش او الاقمشة الشفافة ضماناً لمنع الحشرات والاوساخ والغبار من الاختلاط بماء الحب من جهة وضماناً لوصول الهواء ونفاذه عبر القماش .. وكانت بعض الامهات يعمدن الى نقش جوانب الحب بمادة القير المجلوب من ضفاف دجلة في منطقة حمام العليل وهو القير المخلوط بالكبريت والذي يسميه الموصليون ( علك حمام علي ) او (علك حمام العليل ) وكان البعض يعلكه اسوة بأنواع العلك الصناعية ..



حيث كانت الامهات يقمن بنقش الآيات الكريمة والعبارات على جدران الحب تبركاً بها ، ويوضع تحت الحب اناء فخاري اصغر حجماً او حب صغير يستقبل الماء الناضح من اسفل الحب الكبير وهو ماء الناقوط وكان البعض يستعين بالشربات او جرار الماء الفخارية التي تملأ بالماء لتوضع على الشرفات او السطوح لتبريد الماء على وفق قاعدة عمل الحب ذاتها .. وما زال كبار السن يرفضون شرب الماء الا من فم الحب ، لهذا ترى عيونهم تلتمع بالفرح كلما راوا حباً للماء في واجهة مقهى او امام محل فيهرعون اليه ليشربوا الماء بطاسات خاصة تتم صناعتها في اسواق الصفارين وهي طاسات يصنع بعضها من الالمنيوم المطلي ويصنع البعض الاخر من مادة الاستيل البراق الاملس وكلاهما لا يصدأ ويحتفظ بنظافته ونقاء مظهره ..اخيراً نقول : ان ( حب ) الماء هو ثلاجة الاجداد وان الاشياء التراثية تظل تمتلك القدرة على مقاومة الزمن .

تراثنا راقي وجميل
والمحافظة على ذكراه
جزء من وعينا الثقافي

احسنتم النشر
تحياتي