الصناعات الجلدية وصناعة الاحذية في العراق القديمترجمة : الدكتور حسيب ألياس حديد عن الفرنسية تم العثور على عدد كبير من النصوص المسمارية في بلاد وادي الرافدين تتحدث عن الصناعات الجلدية وصناعة الاحذية و(الصندل) والنعال والخف.
اذ تعرض لنا الرسوم البارزة هذه المواد بصورة مفصلّة وتعكس لنا الطبقات الاجتماعية والافراد الذين يلبسونها بما فيهم الآلهة والملوك والجنود والاجانب والعبيد. وكما هو معروف تشكّل الاحذية احدى الاسس الرئيسة للصناعات الجلدية في العراق القديم وكذلك الشرق الادنى. وهنالك لوح من دريهم(Drehem) يعود الى فترة اور الثالثة تمت ترجمته من قبل كوكز يتضمن ثروة مفرداتية هائلة بخصوص الجلود المخصصة لصناعة النعال والجزمة التي كانت تستخدم حصراً في المراسيم الملكية. ونقدم فيما يأتي ترجمة لهذا اللوح:
" زوج من ... الجزمة للمراسيم الخاصة بالغسيل مع الضياء الاول للقمر في كوروسالا.
زوج واحد من النعال للمساء في اليوم السابع في كيسورا.
زوج واحد من الجزمة ل (شو)!"
وفي الحقيقة هنالك انواع عديدة من الصنادل والنعال تم ذكرها على طول تاريخ بلاد وادي الرافدين. فالنعال الاعتيادي كان مستعملاً للمشي اما شكل هذا النعال عند السومريين فكان عبارة عن قطعة جلد تتخذ شكل حذاء محاط بسير او قطعة مستطيلة من الجلد.
ومن جهة اخرى لاحظنا اربعة اختام اسطوانية تتضمن صورة لكلكامش وهو يرتدي احذية مدببة وملتوية. ولهذا الشكل بالذات خصوصية معينة يناسب المناطق الجبلية او الثلجية. وفي عيلام وخلال الفترة الملكية في سوسا كان الناس يرتدون انواعا من النعل او ( الصندل) وكان النعال يتم ربطه بالكعب ووضع قطعة من الجلد بين الاصبعين الكبيرتين "وهو النعال الذي نطلق عليه تسمية – ابو اصباعة او ابو اصبع_ في الوقت الحاضر—المترجم-" مع وجود قطعة كبيرة من الجلد تربط وجه القدم مع اسفل الرجل.
وفي مسلة النصر لنرام - سين نلاحظ انه ينتعل نعالاً مسطّحا كالنوع الذي نجده في الوقت الحاضر والذي يتضمن قطعة جلد بين الاصابع ويربط تحت العرقوب ( المنطقة الخلفية من القدم). ويفضل الناس عادة الصندل الذي يحتوي على عقبية أي قطعة من الجلد القوية داخل مؤخرة الحذاء ويغطي النعال الرجل كلها.
اما بالنسبة للآشوريين فأنه من الممكن تمييز احذيتهم او الصنادل التي كانوا يرتدونها اذ نلاحظ الاجزاء الجانبية والكعب وقطع الجلد المستطيلة. وتستعمل حلقة (ابزيم) تساعد الاصبع الكبيرة بواسطة حزام (او سير) يلف اخمص القدم مع وجود عقدة لشدّه. وظهرت الفتحة بالنسبة للاصبع بصورة متأخرة الاّ ان السير او قطعة الجلد الطويلة موجودة ومثبّتة فالقطعة الاولى تستعمل لشد النعال من كل جانب وهنالك قطعتان من المعدن احيانا تستعمل للزينة. وهنالك ايضا قطعتان من الجلد تستعملان بصورة متعارضة لكي تكون دعامة للنعال وتعطيه القوة.
وبالاضافة الى النعال ذكر الحذاء النصفي بشريط او بأزرار( ويعرف هذا النوع من الاحذية باللغة الفرنسية ب –Bottine - "المترجم") اذ ان هذا النوع من الاحذية كان شائعاً في ذلك الوقت. ومن المعروف انالخيّالة الاشوريين كانوا يلبسون هذا النوع من الاحذية ويصل هذا النوع من الاحذية الى منتصف ربلة الساق في حين ان النصف الاخر مغطى بنوع من الجواريب يتم لفّها فوق ربلة الساق بواسطة شريط اما الجزء السابق لهذا النوع من الحذاء فيقوم بوظيفة تلسين مزينة بسلسلة من الخطوط المتوازية تمثل الربق أي الخيط او البزيم الذي يشد به الحذاء.
كانت هذه الانواع من الصنادل معروفة عند الآشوريين فضلاً عن اللّفاف الطويل الذي يلائم المناطق الجبلية. وهنالك نوع آخر من الصنادل المصنوعة من الجلد وهي تختلف تماماً عن الانواع التي سبق ذكرها وكانت على آخر موضة في الفترة الاشورية حيث يكون هذا النوع من النعال رقيقاً وخاصة الكعب ومن الاعلى لايحمي الجلد الكعب فقط وانما كان يغطي الرجل كلها. اما الصندل الآشوري الاعتيادي (naʹûl) فأنه يحتوي على نعال مع حمّالة للكعب مصنوع من الجلد.
ان الاحذية والصنادل التي ظهرت على الرسوم البارزة في عهد سنحاريب كانت من الصناعة الخشنة على الرغم من انها تتضمن ديكورات دقيقة وجميلة جداً تتخذ شكل زهرة. واعتاد كل من الآشوريين والبابليين على تزيين الاحذية المصنوعة من جلد الماعز وتلوينها بألوان صارخة وزاهية فضلاً عن تزيينها بالمعادن والمجوهرات ولا تخلوا من التطريز. وتتضمن التجهيزات العسكرية احذية فيها شريط طويل يتم لفه من الامام مع قطع جلدية ملونة.
وتقدم لنا آثار الالوان الموجودة في خورساباد أي في الرسوم الملونة التي عثر عليها دليلاً على ان هذه الانواع من الاحذية كانت تصنع من الجلد الملون والمتناسق بصورة فنية رائعة مع وجود اشرطة زرقاء وبرتقالي اللون. وتعدّ بقايا الرسوم المنحوتة والملوّنة الموجودة في خورساباد خير دليل على ذلك وفي بعض الاحيان نجد ان لون الصندل والاشرطة ذات لون احمر فقط.
ومن الناحية اللغوية يمكننا ان نلاحظ في الوثائق وجود مقطع لغوي واضح له مدلولاته اذ نجد كلمات مثل (ulapu) وتعني (الربط) وكلمات اخرى مثل risku,eshu,enu,adadu,aparu,anadu)) تشير الى النعال والصندل. وغالبا ما تكون بصورة كلية او جزئية من اعمال النسّاجين او الحائكين او الجوّاخين (أي الذين يصنعون الجوخ).
وفي نص من ماري يمكن قراءته على انه انواع من الاحذية اذ ان هناك كلمة ((shenu تعني الحذاء. وفي الحقيقة ليس فقط الحذاء العادي وانما الحذاء الترفي وليس مجرد حذاء او نعال بسيط. وفي نصوص من فترة ايسين نجد اشارات الى الصوف او الى جلد الخروف الذي كان مخصصاً لصناعة الاحذية. وعثر على نص آخر يتحدث عن الجلد والصوف الناعم والكتان واستعمالهما لصناعة الاحذية الملكية. ويمكننا الاعتقاد ان سكان بلاد الرافدين كانوا يستعملون الكتان والصوف بطانة للاحذية الجلدية والنعال من اجل احماء الارجل اولا ومن ثم عدم ملامسة الجلد للحم البشري بصورة مباشرة ويمكننا الاعتقاد بذلك حتى قبل صناعة الجواريب. ولدينا العديد من النصوص التي تتحدث عن الاحذية والصنادل وملحقاتها.
وفي ماري تم العثور على نص آخر يتضمن كلمة (( elbu التي تعني نوع من الاشرطة وذكر النص المرقم 64 زوج من النعال مع 10 اشرطة من الجلد ومن المحتمل ان هذه الاشرطة الطويلة كانت تستعمل مع (البوت او البوتين).
مما تقدم يبدو من الواضح تماماً ان الصناعات الجلدية وصناعة الاحذية كانت معروفة في بلاد وادي الرافدين وكانت مهنة معروفة ذات فوائد جمّة للمجتمع. وهذه ليست الحالة مع بقية الحضارات التي سادت في العالم . فقد عرف سكان بلاد وادي الرافدين بمثل هذه الصناعة لحاجتهم اليها وتحويل المواد الخام مثل جلود الحيوانات الى مواد "مصنّعة" وسبب ذلك ان هذه الجلود كانت متوفرة
لديهم. وسارت الصناعات الجلدية جنباً الى جنب وبصورة متوازية مع صناعة الملابس. وفي بعض الاحيان هنالك تنسيق واضح بين العاملين في الجلود والعاملين في النسيج. اذ ان الاحذية الجلدية كانت مبطنة بالقماش لتجعلها اكثر مريحة. ولا بد من الاشارة الى انهم كانوا يهتمون بمظهر الاحذية وكانوا يميلون الى استعمال الزينة وهذه ظاهرة مميزة لسكان بلاد وادي الرافدين في كل الفترات التاريخية.